لقد كان الذهب من أفضل الأصول المالية أداءً خلال هذا العام، حيث سجل ارتفاع بنحو 35% منذ بداية العام مسجلاً سلسلة من الأرقام القياسية في طريقه، وقد دعمه التفاؤل بخفض أسعار الفائدة وعمليات الشراء القوية من قبل البنوك المركزية العالمية وعمليات الشراء من الأسواق الآسيوية أيضًا، كما عزز الطلب على الذهب تزايد المخاطر الجيوسياسية فضلاً عن عدم اليقين بشأن الانتخابات الأمريكية.
وقبل اجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية ارتفع المعدن الأصفر لأعلى مستوياته على الاطلاق مقتربًا من مستوي الدعم النفسي التالي 2800 دولار للأونصة، ولكن سرعان ما تلاشت تلك المكاسب عقب فوز مرشح الحزب الجمهوري "دونالد ترامب" واكتساح حزبه في الكونغرس، والذي أدي إلى تصحيح حاد للذهب ليتداول بالقرب من مستوي 2600 دولار، ويتوقع المحللون المزيد من الضغوط قصيرة الأجل على أسعار المعدن الأصفر بسبب العوامل السياسية والاقتصادية التي تؤثر على جاذبية السبائك كملاذ آمن.
يقول أحد محللي سوق السلع: "يظل الذهب في ذروة الشراء بعد ارتفاع دام ثلاثة أشهر متتالية وكان هذا التصحيح مستحقًا، حيث ارتفع الدولار الأمريكي بقوة بعد فوز ترامب في الانتخابات وزادت التوقعات بمسار أبطأ لخفض أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومن جهة أخري، تقلصت التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط على نحو معتدل، وكل هذه العوامل السابقة ساهمت في تصحيح أسعار الذهب"، ويتوقع أن يستمر هذا التصحيح في الأمد القريب بسبب التقاء العوامل الاقتصادية والسياسية.
من المؤكد أن المستثمرين سيركزوا على اجتماع السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وقرار أسعار الفائدة في اجتماع ديسمبر، خاصة وأن هناك احتمالات تشير إلى عدم خفض البنك الاحتياطي لسعر الفائدة في ديسمبر على عكس ما كان متوقع سابقًا.
لقد أثار فوز مرشح الحزب الجمهوري ترامب تساؤلات تجاه البنك الاحتياطى الفيدرالى وما إذا كان سيمضي قدمًا فى خفض سعر الفائدة بوتيرة أبطأ وأصغر أم أنه سيبقي على سياسته النقدية كما هي دون تغيير، وقد دعم احتمال خفض سعر الفائدة الأمريكية عدة مرات ارتفاع الذهب القياسي هذا العام.
إلى أين يتجه سعر الذهب؟
لاحظ العديد من الخبراء أن ارتفاع أسعار تداول الذهب أدى إلى تباطؤ الشراء المادي للذهب في العدد من الأسواق، وعلاوة على ذلك، مع فوز ترامب، ارتفعت قيمة البيتكوين والأسهم والدولار، مما أدى إلى ضغوط جني الأرباح على الذهب وسط تحول التركيز الاستثماري.
تاريخيًا، لقد رأينا أن نتائج الانتخابات الأمريكية في الماضي أدت إلى تصحيح قصير الأجل في أسعار الذهب، وفي الوقت نفسه، تنخفض نسبة الذهب إلى النحاس أيضًا مما يشير إلى تخفيف حالة عدم اليقين في الأسواق، كما أن جني الأرباح في نهاية العام وإعادة هيكلة المحفظة سيؤثران أيضًا على أسعار السبائك، وبالتالي، نتوقع أن تستمر أسعار الذهب في الانخفاض لبضعة أشهر قادمة.
مع اكتساب الدولار الأمريكي المزيد من القوة، من المؤكد أن الذهب سينخفض كونه مرتبطًا عكسيًا مع العملة الأمريكية، وبالتالي فإن اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي القادم سيكون له أهمية كبيرة فيما يتعلق بالاتجاه المستقبلي للسندات والدولار، من ناحية أخرى، من المتوقع حدوث بعض التقلبات في الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع القادمة وربما حتى تولي الرئيس المنتخب منصبه في يناير القادم، وعلى الرغم من الخسائر الحالية إلا إنها قصيرة الآجل، فتاريخيًا لا يزال الذهب حتى الآن في اتجاه تصاعدي.
تشير الاتجاهات التاريخية إلى أن أسعار الذهب تشهد عادةً تصحيحًا قصير الأمد بعد نتائج الانتخابات الأميركية، لكنها تميل إلى الارتفاع في الأمد البعيد، وتكشف البيانات أنه على مدار الفترات الرئاسية الست الماضية حققت أسعار الذهب عائدات إيجابية في خمسة منها، وقد حدثت أعلى زيادة خلال فترة ولاية باراك أوباما الأولى (2008 – 2012) بنسبة ارتفاع بلغت 137.13%، كان الانخفاض الوحيد خلال فترة ولاية أوباما الثانية (2012 – 2016) حيث انخفضت أسعار الذهب بنسبة 29.97%، وشهدت فترات أخرى زيادات ثابتة مع عوائد تتراوح من حوالي 46% إلى 60%، مما يعكس ميل الذهب إلى الأداء الجيد في ظل بيئات سياسية مختلفة على المدى الطويل.
توقعات بوصول الذهب لسعر 3000 للأونصة بحلول نهاية العام المقبل
يتوقع خبراء السوق أن الذهب سيصل إلى مستويات مرتفعة جديدة في الأمد البعيد، بسبب تأثير الانضباط النقدي المتراخى بشكل متزايد من قبل البنك المركزي الأمريكي على المكانة العالمية للدولار الأمريكي، حيث أدى التيسير الكمي للبنك الاحتياطي الفيدرالي في السنوات الأخيرة إلى توسيع ميزانيته العمومية إلى 8 تريليون دولار أمريكي، كما استخدمت الحكومة الأمريكية الدولار الأمريكي والتعريفات الجمركية كأداة للعقوبات المالية مما دفع البنوك المركزية في العديد من الدول إلى التخلي عن الدولار بشكل نشط أو سلبي والتحول إلى الذهب والعملات المشفرة.
إن سياسات التعريفات الجمركية التي سينتهجها ترامب في فترة رئاسته القادمة سيكون لها تأثير على التجارة العالمية وخاصة بالنسبة للصين، وقد انخفض اليوان بالفعل قليلاً استجابة لذلك، مما جعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الصينيين كتحوط ضد سعر الصرف وعدم اليقين بشأن أصول اليوان.
في الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام، انخفض استهلاك الذهب في الصين بنسبة 11% على أساس سنوي ليصل إلى 742 طنًا، وفقًا لمجلس الذهب الصيني الذي قال إن الأسعار المرتفعة أدت إلى نفور المستهلكين، وقال المجلس إن المستهلكين الصينيين اشتروا 400 طن من المجوهرات الذهبية بانخفاض سنوي بنسبة 27.53% لكنهم اشتروا 282 طنًا من سبائك الذهب والعملات الذهبية بزيادة 27.14% على أساس سنوي.
نعتقد أن الذهب من المرجح أن يحقق أداءً جيدًا بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية، مع بقاء المخاطر الجيوسياسية في الأمد القريب مرتفعة، حيث يعد الذهب ملاذًا آمنًا خلال أوقات ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، علي سبيل المثال: أدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر وجائحة كوفيد 19 وغزو روسيا لأوكرانيا إلى زيادات كبيرة في أسعار الذهب حيث يتدفق المستثمرون إلى الذهب في فترات عدم الاستقرار.
نعتقد أن الزخم السلبي للذهب سيستمر في الأمد القريب إلى المتوسط، ولكن من المرجح أن تكون الخلفية الكلية مواتية للمعدن الثمين مع انخفاض أسعار الفائدة واستمرار تنويع الاحتياطي الأجنبي للبنوك المركزية الكبري وسط التوترات الجيوسياسية مما يخلق عاصفة مثالية للذهب.
على المدى الأبعد، ستحد سياسات ترامب المقترحة، بما في ذلك التعريفات الجمركية وضوابط الهجرة الأكثر صرامة والتي هي تضخمية بطبيعتها من تخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، وقد يؤدي ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي والسياسة النقدية الأكثر صرامة في النهاية إلى بعض الرياح المعاكسة للذهب، ومع ذلك، فإن زيادة الاحتكاك التجاري قد تزيد من جاذبية الملاذ الآمن للذهب.